تكنولوجيا

العدوى تمتد من المستشفيات إلى المحاكم ارتفاع هجمات الفدية على القطاع الصحي واختراق يضرب القضاء الأميركي

لم يعد الأمن السيبراني في الولايات المتحدة مجرد قضية تقنية، بل تحوّل إلى أزمة وطنية تمس قطاعات حيوية. ففي تقرير صدر عن شركة Resilience في يوليو 2025، تبيّن أن هجمات الفدية على قطاع الرعاية الصحية ارتفعت بأكثر من 30٪ خلال عام 2024 وحده. بعض المستشفيات اضطرت إلى إلغاء مواعيد العمليات وتأجيل علاج المرضى، وأخرى دفعت ملايين الدولارات لاستعادة بياناتها. هذا الواقع يعكس ثغرة مقلقة: بيانات المرضى الحساسة أصبحت سلعة في أسواق الإنترنت المظلم.

لكن الضربة الأخطر جاءت هذا الشهر من قلب النظام القضائي الأميركي. ففي الأسبوع الأول من أغسطس 2025، أكّد مكتب الإدارة في المحاكم الفدرالية تعرّض منصّتي CM/ECF وPACER، المخصّصتين لإيداع الملفات القضائية والوصول إليها إلكترونيًا، لهجمات سيبرانية وُصفت بأنها “متصاعدة”. أهمية هذه المنصات لا تقتصر على المحامين والقضاة، فهي بمثابة الذاكرة الرقمية للنظام القضائي. تقارير صحفية كشفت أن وثائق مختومة مثل أوامر التفتيش ولوائح الاتهام السرية قد تكون وقعت بالفعل في أيدي المخترقين.

الأمر لم يتوقف عند حدود التقنية. مصادر قضائية أكدت أن التحقيقات شملت الكونغرس ووزارة العدل ووزارة الأمن الداخلي، وسط قلق حقيقي من أن تؤدي هذه الثغرات إلى زعزعة ثقة الأميركيين بعدالة مؤسساتهم. صحيفة The Record (6 أغسطس) وCybernews (7 أغسطس) وTechRadar (9 أغسطس) نشرت تفاصيل أعمق عن طبيعة الهجمات، محذّرة من أن النظام الحالي يعتمد على بنية تقنية تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، لم تعد قادرة على مواجهة أساليب القرصنة الحديثة.

وليس بعيدًا عن القطاع القضائي، تذكّر هذه الأحداث بما عاشته مؤسسات الرعاية الصحية سابقًا. ففي 2020 مثلًا، تسبّب هجوم على شبكة Universal Health Services في تعطيل أكثر من 400 منشأة طبية داخل أميركا، فيما تعرّضت مستشفيات في إلينوي العام الماضي لهجمات أجبرتها على العودة إلى السجلات الورقية لأسابيع. هذه الهجمات لم تُصِب الملفات وحدها، بل حياة الناس مباشرة: مرضى لم يتلقوا علاجًا في الوقت المناسب، وقضايا قانونية تعطّلت بسبب انقطاع الوصول إلى ملفاتها.

المحللون يرون أن ما يحدث اليوم يكشف معضلة أكبر: البنية الرقمية الأميركية تتقدم في بعض القطاعات كالتكنولوجيا المالية والدفاعية، لكنها متخلفة في قطاعات حساسة مثل الصحة والقضاء. النتيجة أن المتسللين باتوا يجدون أهدافًا سهلة يمكن من خلالها ضرب ثقة المجتمع بالدولة نفسها.

ويرى خبراء أن الحل يتطلب مقاربة مزدوجة: استثمار ضخم في تحديث الأنظمة الرقمية المتقادمة، وتغيير في الثقافة المؤسسية بحيث يُعامل الأمن السيبراني على أنه عنصر أساسي من عناصر الأمن القومي. أحد الباحثين في جامعة ستانفورد لخّص الموقف قائلًا: “المخترقون اليوم لا يسرقون ملفات فقط، بل يسرقون ثقة الناس بمؤسساتهم”.

في النهاية، لا تبدو الحرب السيبرانية مجرّد معركة تقنية بين برامج وأنظمة، بل صراع على مستوى الثقة والشرعية. وإذا لم تُحمَ البنية التحتية الرقمية للعدالة والصحة، فإن السؤال الذي سيطرحه الأميركيون على أنفسهم قريبًا لن يكون: هل تم اختراق أجهزتنا؟ بل: هل ما زالت مؤسساتنا قادرة على حمايتنا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى